في 27 أيار سنة 1995 وعندما كان Gucci Maurizio (موريزيو غوتشي في عمر الـ 46 عاماً) الوريث الثّري لماركة Gucci العالميّة، يستعد لإطلاق فرع المفروشات، تلقّى ثلاث طلقات في رأسه، وتوفي على أثرها فوراً. وقيل يومها إنّ الوريث Gucci كان محاطاً بالأعداء، ولا سيما أبناء عمّه، الذين حقدوا عليه إثر بيعه حصّته من هذه الإمبراطوريّة العائليّة العريقة إلى شركة بحرينيّة، وأيضاً يحكى عن مطاردة المافيا له، ولكن المحققين ما لبثوا أن اكتشفوا أن المال لم يكن الحافز الأساسي لمقتل Maurizio Gucci بل الطّمع والحب الجارف!
ولكي نتوصّل إلى فهم هذا الدّافع الأعمى لا بدّ من العودة إلى قصّة الحب التي ربطت Maurizio بالفتاة الجميلة والمثيرة Patrizzia Reggiani.
تاريخ إمبراطوريّة Gucci
لنبدأ أولاً بسرد جذور هذه العائلة، فقد تأسست هذه الإمبراطوريّة مع ولادة Gucci Guccio غوتشي سنة 1881 الذي سافر إلى إنكلترا ليعمل حمّالاً في أحد الفنادق الفخمة، ومع الوقت تعلّم فن صناعة الحقائب الكبيرة والخزنات. ولما عاد إلى إيطاليا مسقط رأسه، انطلق في حرفة السّراجة، بالإضافة إلى صنع قطع فاخرة للفروسيّة. وبعد سنوات عدّة تولى ابنه Aldo تطوير المؤسسة، فأطلق حقائب فاخرة منفّذة بالأشرطة القماشيّة الخضر والحمر يزيّنها حرفا G المصنوعان من الذهب والمشبوكان مع بعضهما، هذا الرّمز يزين منتوجات Gucci حتى يومنا هذا. تلا ذلك إطلاق الأحذية الفخمة والفرو وفساتين السّهرة، فتحولت تلك المؤسسة إلى امبراطوريّة عظيمة. Aldo و Rodolfo، نجلا المؤسس، هما ولدان من خمسة تنازعا بقوّة من أجل التفرّد بالسّلطة، كما جرى فيما بعد بين Maurizio نجل Rodolfo وأولاد عمه Aldo.
قصّة حب
وفيما كانت العائلة في أوج صراعها، أغرم Maurizio بــ Patrizzia، حيث التقى بها في شتاء 1970 وكان لها أثناءها من العمر 24 سنة. وتتميّز بعينين رائعتين تتمتعان بنظرة حالمة وحزينة، تلك الفتاة التي قاست عذاب الحياة، وضعت أمام عينيها هدفاً واحداً، ألا وهو كسب هذا الوريث الغني والوسيم، متمثّلة بوالدتها التي كانت تعمل كمنظفة ثياب لدى الأغنياء، والتي تمكنت من التّغلّب على بؤسها من خلال الزّواج من صناعي ثري تبنّى Patrizzia التي ولدت من أب مجهول الهويّة، حتّى إنّه خصّها بمبلغ كبير من ثروته الضّخمة سنة 1973.
وإذا كان Maurizio Gucci قد اتّخذ القرار بالزّواج منها فوالده Rodolfo رفض الموضوع بحزم، شاعراً بأنّها إمرأة كاذبة، واستغلاليّة، وهدفها فقط الارتباط بهذا الاسم العريق، ولكن Maurizio لم يكن ليقتنع، فتمّ الزّواج سنة 1972.
حياة صاخبة قبل وقوع الجريمة
12 سنة من الحب الكبير عاشت خلالها Patrizzia الغنى الفاحش، فكدّست الهدايا الثّمينة من مجوهرات وألماس وفرو بكل أنواعه الفاخرة، فضلاً عن لوحات وقطع فنيّة قيّمة وبيوت وڤيلات، ولفّت العالم بأجمعه، لكنها استطاعت وسط انشغالها في عالم اللوكس إنجاب فتاتين Alessandra سنة 1976 و Allegra سنة 1980 اللتين تنقلتا بين أكابولكو، ونيويورك وميلانو. ولكن، ذات ليلة من سنة 1985، انتهت هذه الزّوبعة التي استمرت 12 سنة.
أبلغ Maurizio ابنته Alessandra بأنّه سيطلب الطّلاق من أمها، لكن هذه الأخيرة رفضت، وقد عرفت Patrizzia بعنادها، ثمّ ما لبثت بعد 9 سنوات أن وافقت على الطّلاق، وكان Maurizio خلالها يعيش مع عشيقته تاجرة القطع الأثريّة الجميلة Paola Franchi، ولكن Patrizzia لم تستسلم لهذا الأمر، خصوصاً حين علمت بأنّه سيتزوجها، فهي لا تريد أن تحل سيّدة أخرى مكانها تحمل كنية Madame Gucci وتنجب أولاداً يسلبون ثروة ابنتيها، فهي مستعدّة لكل شيء لتمنع هذا الزّواج.
فترة المرض
عانت Patrizzia من داء النّقطة، وأجريت لها عمليّة لنزع ورم من نخاعها الشّوكي سنة 1992، فأصبحت على أثرها فاسدة بعض الشّيء ومتعطّشة للانتقام. بعض المقرّبين لاحظوا بأنّها كانت تعيش في فلك هذه الفكرة، لدرجة أنّها طلبت من البستاني لديها التّقرّب من عشيقة زوجها، كما خطّطت لحرق الشّاليه الذي تسكن فيه Paola مع Maurizio في سان موريتز. ولكن، أخيراً، تمكنّت بصارة ورق لعب وتدعى Pina من السّيطرة عليها، وأصبحت مرافقتها أينما وجدت.
الجريمة
بين كل نبوءة وأخرى تمكّنت هذه البصارة من فرض ما تريده على Patrizzia فطردت عصابة من البلطجيّة واللصوص الذين كانوا يحيطون بها، ووظّفت بواباً ليليّاً في إحدى الفنادق القذرة ويدعى Ivano Savioni والذي بدوره وظّف Benedetto Ceraulo وهو ميكانيكي عاطل من العمل، بالإضافة إلى شخص آخر يعمل في تجارة المخدرات. وفي اليوم المشؤوم اتصلت Patrizzia بهذا الأخير لتعلمه بعودة طليقها من أميركا، قائلة له: “وصل الطّرد”، فنفّذ Ceraulo المهمّة مقابل ثلاثمئة ألف يورو.
Patrizzia التي لم تمثّل دور الأرملة الحزينة أثارت الشّك فوراً لدى الشّرطة، فالكثير من الأدلّة ساهمت في إدانتها، لا سيما شهادات المقربين منها ووجود كلمة “الجنّة” المكتوبة في مفكرتها على الصّفحة التي تحمل تاريخ 27 آذار 1995 يوم مقتل Maurizio ولأنّها دائمة الثّقة بنفسها، تناست Patrizzia أن تدفع المبلغ بكامله إلى القتلة المأجورين فلم يتوانوا عن أذيّتها.
استمرّت المحاكمة سنتين، وصدر بعدها الحكم على Patrizzia التي لقبت “بالأرملة السّوداء” لمدّة 26 سنة في السّجن الجنائي. يوم تاريخ توقيفها ارتدت أغلى “ڤيزون” لديها، وتزيّنت بالمجوهرات الثّمينة، كما وضعت نظارة ملونة، فبدت كـ”الديڤا” في المحكمة. وظلّت مصرّة على نكران جريمتها، مدعية البراءة، فحاولت الإضراب عن الطّعام والانتحار قبل أن يتم الإفراج عنها لحسن سلوكها في أيلول 2013 بعد بقائها 16 سنة في السّجن، ويذكر أنّه خلال سنة 2011، وكانت قد بلغت من العمر 63 سنة، اقترحت عليها إدارة السّجن الإفراج المشروط بالتناوب بين العمل والسّجن، فرفضت قائلة: “لم أعمل يوماً في حياتي، فليس عليّ الآن أن أبدأ”.
Patrizzia بعد السّجن
اليوم هدأت Patrizzia واستكانت، فالأرملة المشهورة أصبحت مستشارة لماركة Bozart دار المجوهرات المبدعة والأكسسوارات المتنوعة: وتقول Alessandra Branero زوجة مالك Bozart: “أعتقد أنّ Patrizzia تستطيع أن تكون مستشارة لتصاميمنا، وبإمكانها أن تسدي النّصائح لفريق عملنا”. وعبّر الزّوجان عن سعادتهما في مساعدة باتريسيا غوتشي Patrizzia Gucci. يذكر أن إمبراطوريّة Gucci غوتشي أصبحت منذ سنة 1982 شركة مساهمة، تتولى إدارتها المصممة الفنيّة Frida Giannini منذ سنة 2006.
أبرز تعابير Patrizzia Gucci
– في اليوم الثّاني من وقوع الجريمة قالت لأحد الصّحافيين: “البعض يموت في سريره، والبعض الآخر يموت على الطريق، ولكن، هناك من لديه الامتياز ليموت قتلاً”.
– وقالت أيضاً:” أفضل أن أذرف الدّموع في سيارة “رولز رويس” على الضحك وأنا أركب الدّراجة”.
– بعد طلاقها حصلت Patrizzia على 1.5 مليون يورو، وعلى القصر في “ميلانو” المفروش بالقطع الفنّية القيّمة، وعلى شقّة نيويورك بالإضافة إلى “شاليه” Saint Moritz، ذلكنّها علّقت “لم أحصل سوى على طبق من العدس”.
– قالت في كرّاسها: “الكثير من النّساء لا يستطعن امتلاك قلب رجل، بينما القليلات تحظين به، ولكن لا يوجد جريمة لا يمكن شراؤها”.